"الموساد في ورطة" هكذا وصفت أغلب الصحف والمواقع الإلكترونية وضع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الحالي؛ بسبب الورطة التي وقع فيها عقب كشف شرطة دبي عن أدلة دامغة وصور وشرائط فيديو تثبت قيام عملاء الموساد بتنفيذ عملية اغتيال القيادي بحركة حماس محمود المبحوح في دبي.
الورطة لم تكمن في اغتيال المبحوح على أيدي عملاء الموساد فحسب، بل في استخدام هؤلاء العملاء لجوازات سفر أوروبية، مما أثار استغراب وغضب الدول صاحبة هذه الجوازات، وعبّرت عن غضبتها تلك بشدة للسفير الإسرائيلي بكل دولة على حدة.
اكتشاف شرطة دبي لمرتكبي الحادثة جاء بسرعة قياسية بفضل شبكة الكاميرات الموجودة بالمدينة في كل مكان، فضلا عن فريق تحليل الأدلة الذي قام بتحليل وربط الأدلة مع بعضها البعض، وتوصل إلى الفاعلين بسرعة جعلت معها قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان يصف الجناة بالـ "الأغبياء".
ليبقى السؤال: هل ذبلت فعلا قرون الاستشعار الخاصة بجهاز الموساد، وأصاب مشرطه الاستخباراتي نوع من أنواع "التلامة"، فبات يترك الأثر في جسد الدولة التي يشقها بعد أن كان من المستحيل أن يتم تعقّبه؟ التاريخ والأرقام والوقائع كلها تثبت أن جهاز الموساد دائما ما يفتضح أمره، وأنه هو بنفسه من كوَّن عن نفسه صورة كاذبة عن براعة عملائه في استقطاب المعلومات، والخروج آمنين من أي دولة يتجسسون بها، ولكن الحقيقة مخالفة لما سلف..
قوائم بعملاء وعمليات فاشلة للموساد على الأراضي المصرية والاردنيه
إيلي كوهين أو جون دارلينج أو كامل ثابت
اسمه الحقيقي إلياهو بن شاؤول كوهين، يهودي من أصل سوري حلبي، وُلد بالإسكندرية، تعتبره قيادات الموساد واحدا من عباقرة التجسس على مر العصور، فبداياته الأولى كانت إجرامية بشكل لا يوصف خدمة لدولة إسرائيل وتحديدا في عام 1944 عندما انضم إلى منظمة الشباب اليهودي بمصر، وكان مسئولا عن تفجير بعض المصالح الأمريكية بمصر، وعُرف وقتها باسم حركي هو جون دارلينج، ثم بعد ذلك انتقل إلى إسرائيل، وعمل بوزارة الدفاع، قبل أن يقرر الموساد تجنيده كعميل لهم بسوريا في صورة قيادي بعثي ورجل أعمال سوري قومي يُدعى كامل ثابت.
الغريب أن السلطات المصرية وتحديدا رفعت الجمال -أو رأفت الهجان- هو من كشف أمره، عندما أكد أنه يعرف أن كامل ثابت هو إيلي كوهين، وهو كان يعمل في وزارة الدفاع الإسرائيلية، وبالفعل قامت المخابرات المصرية بتقديم ملف ضخم حول الجاسوس، وقدّم إلى الرئيس السوري، وتم إعدامه في سوريا عام 1965.
علاقة سرقة الثلاجات بالتجسس
عامر سليمان أرميلات، مصري بدوي كان يعيش بسيناء في السبعينيات وتحديدا عام 1977 بعد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، قليل الحظ في التعليم، خفيف اليد في السرقة، فاحترف سرقة الأجهزة الكهربائية بإسرائيل، وألقي القبض عليه في أكثر من مرة من قبل الشرطة الإسرائيلية، حتى استدعاه رئيس الموساد وعرض عليه انتشاله من قضايا السرقة الواقع فيها بشرط بسيط ألا وهو أن ينقل كل ما يراه في صحراء سيناء من معدات أو أسلحة أو لوادر أو أي شيء يخص الجيش المصري، ويبلغ به على الفور، مقابل مبالغ مجزية، ووافق بدون تردد إلى أن كشفت المخابرات المصرية أمره، وقدمته إلى المحاكمة عام 1983 ولكن حصل على حكم بعام ونصف فحسب؛ نظرا لضعف الأدلة، فخرج مصمما على مواصلة نشاطه الاستخباراتي، وفي عام 1992 اعترف عليه من كان يعتقد عامر أنه يعاونه في نشاطه الاستخباراتي في قاعة المحكمة، وحكم على عامر بالسجن المؤبد.
التجسس تحت الماء
سمير عثمان أحمد علي، عميل آخر من عملاء الموساد سقط في قبضة المخابرات المصرية العامة بعدما افتضح أمره بعد فترة قليلة من بداية نشاطه التجسسي، سمير كان يعمل بالعراق ضابطا لدى الجيش الشعبي العراقي أثناء الحرب العراقية الإيرانية، ثم سافر إلى تركيا وسعى بنفسه إلى السفارة الإسرائيلية وعرض عليهم التعاون.
الجديد في أسلوب التجسس الذي كان يتبعه سمير كان في اعتماده على الغوص تحت المياه طوال طريقه من طابا وحتى إسرائيل حاملا معه أوراق هويته وجوازات السفر وكل شيء على سبيل الاحتياط، التردد المستمر من قبل سمير على جنوب سيناء سرّب الشكوك إلى نفوس جهاز المخابرات المصري، وأخذوا في مراقبته برا وبحرا أيضا، وتم القبض عليه في طابا أثناء عودته من إسرائيل، وبتحليل جواز السفر وجد أنه كان متشبعا بمياه البحر.
محاولة اغتيال خالد مشعل
وفي الخامس والعشرين من سبتمبر تسلل عدد من عناصر الموساد الإسرائيلي إلى الأردن، ونجحوا في الوصول لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل المقيم بالأردن، وبمادة سامة، وسرعان ما تم الكشف عن هذه الواقعة، وتم إلقاء القبض على العملاء الذين قاموا بهذه العملية وطلب الملك حسين شخصيا من رئيس الوزراء وقتها بنيامين نتنياهو المصل المضاد، فرفض الأخير، فطلب الملك حسين وساطة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون من أجل الحصول على المصل المضاد وقد كان. وبعد فترة من الوقت تم الإفراج عن عملاء الموساد مقابل الإفراج عن الشيخ ياسين الذي كان يقضي عقوبة السجن مدى الحياة داخل السجون الإسرائيلية.
الجاسوسية.. دائما فتّش عن المرأة
هذه القضية كانت ثنائية مصرية إسرائيلية، بها شريكان أحدهما مصري وهو عماد عبد الحميد والآخر إسرائيلي درزي، ويُدعى عزام متعب عزام، وهي القضية التي حظيت باهتمام إعلامي كبير، وتعود وقائعها عندما أرسل عماد إلى إسرائيل ضمن فريق من أجل التدرب على صناعة الملابس بإسرائيل، وهناك قابل عزام عزام الذي اكتشف بسرعة ضعف الأول أمام النساء، فكانت زهرة جريس هي مدخل عماد للتجنيد بالموساد، وعاد الثلاثي إلى مصر (عماد - عزام - زهرة)، ولكن السلطات المصرية فضحت أمرهم وقضي بالسجن المؤبد على الجاسوس المصري عماد عبد الحميد و15 عاما لعزام عزام الذي قضى منها 8 سنوات قبل أن يتم الإفراج عنه في صفقة تبادل مقابل 6 شباب مصريين ضلّوا طريقهم بالخطأ داخل الصحراء.
بيع البلد مقابل لاب توب
كان مهندسا بهيئة الطاقة الذرية، وحجته في الدفاع عن نفسه بأن معلوماته هي معلومات عادية متداولة، إنه المهندس محمد سيد صابر الذي صدر بحقه السجن المؤبد في فبراير من العام الماضي بتهمة الاستيلاء على معلومات من هيئة الطاقة الذرية؛ لتقديمها لشريكيه الأجنبيين ياباني وأيرلندي- مقابل آلاف الدولارات.
ما سلف كان جزءاً من كل ، عدد صغير من رقم أكبر هو مجموع العمليات الاستخباراتية الفاشلة التي تم الكشف عنها، وكانت تتم مباشرة من خلال الموساد أو لحسابه، ليبقى هذا الرقم الكبير علامة استفهام حول مدى نسبة نجاح مثل هذه العمليات، والمعايير التي تم على أساسها تصنيف الموساد كسادس أفضل جهاز استخباراتي على مستوى العالم، وإن بقيت العمليات التي نجحت ولم يعلن عنها بالتأكيد أكبر، أخيرا وليس آخرا يبقى الكشف عن عملية مخابراتية بقدر عملية اغتيال المبحوح ، وعلى أيدي شرطة واستخبارات عربية مثل شرطة دبي صفعة كبيرة على وجه جهاز الموساد الإسرائيلي ، ستستمر تداعياتها خلال الفترة القادمة مع توالي الإعلان عن المتورطين في هذه العملية.
وشكرا